منذ عامين عُرض الفيلم الأمريكي فايف ستار إخراج
كيث كيلر ضمن فعاليات مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي في دورته السادسة و الثلاثون في نوفمبر 2014 ضمن المسابقة
الرسمية و كان العديد من النقاد و السينمائيين ينتظرون الكثير من وراء الفيلم من إبداع
و ما شابه .
لكن بمجرد عرض كلمة النهاية خابت أمال الكثير
من مشاهدي العرض من تلك النهاية المفتوحة بعد أن تعرضوا للتخبط في الكثير من
المشاهد خلال 83 دقيقة مدة عرض الفيلم .
يتعرض الفيلم لجوانب الحياة السرية و الليلية
لرجال العصابات و كيف تحاك المؤامرات و توصيل الممنوعات المختلفة و خاصة عن طريق
تجنيدهم للشباب المتعطش للحرية ربما أو النقود أو الإستقلال و أيضاً ممن يعتريهم
الغضب الكامن نتيجة عنصرية اللون والبيئة
الإقتصادية .
تدور أحداث الفيلم عن الصبي جون الأبيض
البشرة ذو التقويم الفضي الذي يزين اسنانه و الذي يعيش مع أمه الملونة و الخائفة عليه دوماً من حياة
المراهقة و الدخول في العلاقات الجنسية المتعددة
وكان يقابل صراحتها دوماً بالرفض بأن له مطلق الحرية فيما يفعل و لكن بهدوء
و تريث كي لا يفقد تعاطفها و حبها الكبير له و حفاظه على السبب الأهم .. فهي من
تعوله بعد مقتل الأب برصاصة طائشة نتيجة
حروب الشوارع بين المجرمين .
و في مكان أخر تظهر الشخصية الأخرى و المحورية في الفيلم الضخم بريمو زعيم العصابة و الذي يعمل بالحراسة للملاهي و الشخصيات تلك
الأعمال التي يأخذ اجرها باليوم و يعول أسرة
كبيرة من الأطفال نتيجة الإنجاب المتكرر و يحاول جاهداً أن يوفر حياة كريمة لهم
فهو يجلس على الأريكة طوال النهار مع أولاده و زوجته و يتركهم ليلاً للعمل .. صبوراً
متعاطفاً حنوناً جداً و كبير الإيمان .. نقطة ضعفه العامة تلك الأسرة و نقطة ضعفه الخاصة أبنه المصاب بالتوحد .. مقتنعاً تماماً بإنه
ليس هناك علاج في العالم يحمي طفله من شر ذلك المرض إلا الحب و الحنان وعنده إصرار
شديد بأنه سيتماثل للشفاء بالصبر و الإيمان فعلى حد قوله كل ما أصاب أبنه ’’ أنه
يكره النظر في عيون الأغراب ’’
حمل بريمو على عاتقه أيضاً تربية جون فقد كان صديقاً لوالده قبل مقتله و حاول
بدون علم الأم أن يعلمه كيف الحياة الأخرى
و بدأ الصبي بحمل السلاح و توصيله و الإندماج
في الحياة السرية الليلية بروية شديدة كي
لا يقبض عليه أو يقتل أو أن تعلم الأم تحت إشراف بريمو الذي يساعده و لكن ثقته فيه
ذو حدين فهو كرجل عصابه ثقافة الثقة معدومة تماماً عند هؤلاء الرجال
و تستمر تلك الحياة لجون و بريمو ما بين
متناقضات الليل من الصباح و الإيمان و الغواية التي تتبارى فيما بينهما في صراع
قوي للخير و الشر إلى أن يصطدم جون بتلك اللدغات
المميتة من أحد ألخونة ليوشي بهِ عند بريمو بأنه لم يسلم المهمة المنوط بها في
إتهام صريح بالسرقة , و ما كان بجون إلا أن يحاول أن يدافع عن نفسه عندما شعر بأنه
قد يقتل رغم كل تلك العلاقة الكبيرة بينه و بين بريمو ,
أول ما يلفت نظرك في الفيلم هو التصوير المضطرب
للفيلم فقد صورت المشاهد بهزة كاملة لجميع المشاهد في وضعية الشولدر بطريقة أشبه
لتصوير السينما التسجيلية و برامج الواقع وكان من الواضح جداً أن وجهة نظر المصور
هي بلورة فكرة الإضطراب و الصراع الداخلي لحق
الفرد في الوجود و صعوبة المعيشة بين المجرمين و حياة الليل السخية بتفاصيل القتل
و الغدر , و إيصال وجهة نظر المخرج الأهم في الفيلم وهي معنى أن تكون رجلاً فقد كانت تلك هي الرسالة الأهم للمخرج كيث
ميللر كما صرح في أحد المؤتمرات الصحفية
و لكن علينا أن نتوقف هنا قليلاً ,,
أشار مدير التصوير السينمائي سعيد الشيمي
في كتابه الشهير إتجاهات الأبداع في الصورة السينمائية المصرية إلى الأتي :
’’ توجد مقولة حكيمة للمخرج كلود ليلوش الذي
بدأ حياته مصوراً ثم أصبح من أشهر مخرجي السينما الفرنسية في أواخر الستينات ’’ أن
المصور المعاصر في الفيلم هو مركز الدائرة تماما و من هنا نستشعر أهمية دور المصور
ليس في مركز الدائرة و لكن في الدائرة ككل حين يصبح للصورة غرض و معنى ’’
وبذلك أستطاع الشيمي أن يحصر أهم نقاط مقاييس
الأبداع لمدير التصوير الجيد في الأتي :
1- أن يكون له رؤية بصرية تشكيلية للسيناريو
المكتوب مؤثرة في تحويله إلى مرحلة الصورة الدرامية و هي بلا شك تكونت عنده من
أستيعاب ثقافات و فنون كثيرة محلية و عالمية .
2- العمل على توظيف حرفته و أستخدام أدواته (
السيني – فوتغرافية ) لخدمة رؤيته البصرية التشكيلية و التي يجب أن تتفق مع مفهوم
المخرج و دراما الفيلم .
3 بصم الفيلم بالجو العام المرئي و الملائم
للأحداث فهنا بصمة الصورة تحمل أهم دلالات النوعية الخاصة بالفيلم .
4- مدى نسبة الأبتكار و التجديد في أستخدام
الشكل و الرؤية البصرية و تطويع أدواته و خاماته إلى الأرتقاء بالشكل و المضمون
معاً لخدمة العمل الدرامي .
ومن هنا نصل للنتيجة الأهم إلا وهي هل تم
خدمة الصورة بمنطقية نتيجة ذاك الأضطراب الداخلي أم هي كانت رؤية فردية للمخرج ؟
فعملية التلقي هنا مطاطة قليلاً و تختلف من
شخص لأخر و من مدرسة سينمائية لأخرى و من ثقافة لأخرى ,
و لكن تبقى الثوابت التي لا تتغير ألا وهي
محاولة السينمائيين بالسمو نحو الجديد دوماً
ويبقى الهاجس الأكبر هل سننجح هل نجحنا هل وضعنا أيدينا على الخطأ / الجرح
/ السر
فايف ستار كانت محاولة من سينمائي مستقل صنع فيلماً
بتكلفة قليلة عكس ما هو متبع في الأفلام الأمريكية الغنية بالإنتاج الضخم , أن يلخص لنا حراك حياة اللصوص و القتلة في ذاكَ
الليل المرعب التي قد تودي بحياة شخص خطأ وجد في مكان خطا و زمان خطأ ,
درجة النجاح لذاكَ الفيلم لن يعطيها ناقد أو
سينمائي أكاديمي يصر دوماً أن يكون هناك مصدراً معلوما للحركة و الضوء ومنطقية
الحدث , فالفيلم هنا يحتاج لناقد حسي و متلقي يعي كيف هو الشارع عندما يقبض بكفيه
ليل الحالمين بالحرية و المعنى الخفي للرجولة !!
رنا هاشم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق