لم يعد الإنتاج وحده ما يعرقل تقدم أي أي مخرج في سبيل تنفيذ حلمه الذي طالما
راوده في صناعة فيلم سينمائي أو تسجيلي قصير أو طويل بل من البديهي أن نضيف لقائمة
العراقيل , تصاريح النقابة , مدارس السينما
التي تخرج منها المخرج , عدد الأفلام ألتي صنعها كي يستحق الفرصة , التهميش
و التقليل أحياناً لنحتك في الصخر كي تصل بحلمك للشاشة الكبيرة ,
و لكن غاب عن أعين الكثير من مخرجين الأفلام
التسجيلية وعن مخيلتهم أمرغاية في
الأهمية على أعتبارها الخُطوة الأولى في
عالم السينما كي تكون بمثابة الدرجة الأولى في سلم الصعود للإفلام الروائية و حجز
ذاكَ المكان السحري للقمة,
بل بالفعل هناك من تجرأ على فعل وضع بعض
الصور الفوتغرافية و الفيديوهات المصورة بشكل غير محترف في صورة يسمونها بالواقعية
و سرد أحداث قائمة بمثابقة توثيق في صورة لتتصدر
المشهد الثقافي المزيف الذي يحدث الأن في حالة أشبه بعدم النضوج الفكري أو
السينمائي و عدم وصول قيمة الفكرة أو ربما عدم الرجوع لنشأة السينما التسجيلية في
العالم و أسباب وجودها في ذاكَ العالم الكبير ,
أو كما كما عُرفت بأنها معالجة الأحداث
الواقعية الجارية بإسلوب فيه خلق فني كما ورد في كتاب السينما التسجيلية عند
جريرسون , او كما أنتهج شاعر الوثائقيات فلاهيرتي الذي أنقسم حوله النقاد كثيراً
عن تحويله الحقائق لخيال و ذلك نوع من التظليل للمتلقي العادي و كان تلك الأراء
الصادمة لا تمت بصلة للحقيقة فكل ما كان يفعله فلاهيرتي هو إيمانه العميق بأن
القصة لا بد أن تنبعث من المكان الذي تدور فيه و هذهِ القصة من وجهة نظره هي القصة
الرئيسية لذلك المكان أو كما أسميه أنا دائماً في تعريفي الخاص عن السينما
التسجيلية هي التي بأحداثها تتيح لك لمس أبواب السماء فهي البوابة السحرية لمملكة
المعرفة و الخيال ,
و الخيال هنا لا ننتهجه كما في الدراما إنما
كيف توثق بالصورة و الكلمة أحداث حقيقية تشبه السيمفونيات الخالدة بأن تجعلك تحلق
معها لسموات من أمل , و لذلك يقع أغلب المخرجين الجدد في حفرة الواقعية و لصق بعض
المشاهد بعضها ببعض أو سرد يتسم بالغرابة أو طول المدة إستناداً لشركة إنتاج تطالبهم بذلك بسبب أمور
التسويق و التوزيع و خلافه ,
لنعود لأهم الدروس المستفادة في سنوات حبي للسينما ألا وهي :
بأن النوايا الحسنة لا تصنع عملاً جيداً و أن السينما ليست القدرة
على صنع العمل و إنما قدرتك على تنفيذ العمل ,
و التنفيذ هنا لا يكتمل إلا بأحساسك الداخلي
بالجمال فالدراسة الأكاديمية وحدها لا
تعطي تلك الإنسيابية الحرة للصورة بل هناك حبك للعمل – تفهمك لطبيعته – و هدفك
الأسمى في الوصول للقلب و العقل معاً ,
و تتوالى العراقيل أمام المستقلين من نواحى شتى
,,
التكلُفة – شركات الإنتاج – التوزيع و
التسويق – الأنترنت و التواصل الإجتماعي
و لكل تلك الأسباب لجأ الكثيرين من المستقلبن
لصنع أفلامهم الأولى بنفسهم لتحمل تلك الأعمال خطايا التجربة في صور أشبه
بالريبورتاجات التلفزيونية و أعتبار كل واحدة منهم فيلم موجه للمهرجانات السينمائية ,
وعلى أعتبار أنها التلقي المناسب و الأوحد
للإفلام ,
لنعود من جديد لعراقيل التصريحات الخاصة
بالدعم و التصوير ,, عدم مجازفة شركات
الإنتاج بمنح الفرص للجدد بسبب تلك التكلفة الكبيرة التي تقابل عمل الأفلام و
صناعها , خوف البعض من السينما المستقله
كخطر حقيقي لصناعة السينما رغم كونها الحل الموازي للخروج من أزمة السينما في
البلاد ,
لنصل للصورة التي يظهر عليها الفيلم و توزيع
الضوء الدرامي للعمل , فالواقعية لا تفرض علينا صورة قاتمة أو مضطربة أو مهزوزة
فنحن هنا نوثق بالإبداع اللوني و الضوئي ما نريده من توصيل الفكرة , و لكونها تحرك
الساكن فينا من خلق للإبداع فالصورة تشبه
إلى حد كبير للوحات التشكيلية ورقة بيضاء خطوط وهمية نقطة إرتكاز لتبدأ منها فصول
الحكاية, ليباغتني رأي غريب في أحد الندوات السينمائية
بأن السينما التسجيلية لا تحتاج إلى الإبهار الضوئي أو توزيع الظل و الضوء فيها ,,
لإسبح في الخيال في لوحات رامبرانت و كيف كانت
من هنا نقطة البداية لتشكيل ثوابتك الفنية و حرصك عليها و أنت ترى كيف أتاح لك
الفن أن تكون مبدعاً ,
كيف نحرر بالصورة العقول و نحارب الإرهاب
بالحقيقة و كيف نوثق الظلم في الميادين و الحرق و الرصاص و التنكيل في عمليات الفض
كيف نعالج مشكلات الوطن من ادمان و تحرش و زنا محارم و
ملفات مسكوت عنها ولا يعلن عن أرقامها الحقيقية في مراكز الأمومة و الطفولة , كيف نصل بالمحتوى بدون ملل أو فجاجة ,
فالسينما من فن سابع أو تشكيلي أو وثائقي خلقوا
من نور كي نصل معها إلى أفاق كبيرة إلى عوالم أوسع من الخيال فنحن صناعها أستطعنا أن نرسم أحلامنا برؤى من نور تنير لنا تلك الدروب الطويلة
من الإحباط ,
و أنا ..
و رغم أنني ما زلت أنتمي و فخورة بذلك
كثيراً كأحد مخرجين السينما المستقلة و مررت بكل ما تحدثت عنه سابقاً من فشل و
أحباط و إنكسارات و خطايا العمل الأول لكننا ما زلنا على الدرب نريد الوصول لتلك
النقطة النور التي تجعل من أحلامنا طريق
الوصول للجمال و الحقيقة ,
فعالم الوثائقيات ليست الخطوة الأولى لعالم السينما فحسب بل هو نوع من التناقض بين حلمك و الخيال بين الحقيقة و الخوف الكامن من الإكتشافات هي الرحلة الأصعب , رحلة التفاصيل المرهقة التي تنتهي بمجرد عرضها على تلك الشاشة الكبيرة و هي تُقبل وتَغُمر ما صنعته في ليال طوال .
رنا هاشم .