10 مارس 2016

الفيلم الأمريكي Five Star - فايف ستار





منذ عامين عُرض الفيلم الأمريكي فايف ستار إخراج كيث كيلر  ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة و الثلاثون في نوفمبر 2014  ضمن المسابقة الرسمية و كان العديد من النقاد و السينمائيين ينتظرون الكثير من وراء الفيلم من إبداع و ما شابه .
لكن بمجرد عرض كلمة النهاية خابت أمال الكثير من مشاهدي العرض من تلك النهاية المفتوحة بعد أن تعرضوا للتخبط في الكثير من المشاهد خلال 83 دقيقة مدة عرض الفيلم .
يتعرض الفيلم لجوانب الحياة السرية و الليلية لرجال العصابات و كيف تحاك المؤامرات و توصيل الممنوعات المختلفة و خاصة عن طريق تجنيدهم للشباب المتعطش للحرية ربما أو النقود أو الإستقلال و أيضاً ممن يعتريهم الغضب الكامن نتيجة عنصرية اللون  والبيئة الإقتصادية .
تدور أحداث الفيلم عن الصبي جون الأبيض البشرة ذو التقويم الفضي الذي يزين اسنانه و الذي يعيش مع  أمه الملونة و الخائفة عليه دوماً من حياة المراهقة و الدخول في العلاقات الجنسية المتعددة  وكان يقابل صراحتها دوماً بالرفض بأن له مطلق الحرية فيما يفعل و لكن بهدوء و تريث كي لا يفقد تعاطفها و حبها الكبير له و حفاظه على السبب الأهم .. فهي من تعوله بعد مقتل الأب برصاصة طائشة  نتيجة  حروب الشوارع بين المجرمين .
و في مكان أخر تظهر الشخصية الأخرى  و المحورية في الفيلم الضخم  بريمو زعيم العصابة  و الذي يعمل بالحراسة للملاهي و الشخصيات تلك الأعمال التي يأخذ اجرها باليوم  و يعول أسرة كبيرة من الأطفال نتيجة الإنجاب المتكرر و يحاول جاهداً أن يوفر حياة كريمة لهم فهو يجلس على الأريكة طوال النهار مع أولاده و زوجته و يتركهم ليلاً للعمل .. صبوراً متعاطفاً حنوناً جداً و كبير الإيمان .. نقطة ضعفه العامة تلك الأسرة و نقطة ضعفه  الخاصة أبنه المصاب بالتوحد .. مقتنعاً تماماً بإنه ليس هناك علاج في العالم يحمي طفله من شر ذلك المرض إلا الحب و الحنان وعنده إصرار شديد بأنه سيتماثل للشفاء بالصبر و الإيمان فعلى حد قوله كل ما أصاب أبنه ’’ أنه يكره النظر في عيون الأغراب ’’

حمل بريمو على عاتقه أيضاً تربية  جون فقد كان صديقاً لوالده قبل مقتله و حاول بدون علم الأم أن يعلمه كيف الحياة الأخرى
و بدأ الصبي بحمل السلاح و توصيله و الإندماج في الحياة السرية الليلية  بروية شديدة كي لا يقبض عليه أو يقتل أو أن تعلم الأم تحت إشراف بريمو الذي يساعده و لكن ثقته فيه ذو حدين فهو كرجل عصابه ثقافة الثقة معدومة تماماً عند هؤلاء الرجال
و تستمر تلك الحياة لجون و بريمو ما بين متناقضات الليل من الصباح و الإيمان و الغواية التي تتبارى فيما بينهما في صراع قوي للخير و الشر  إلى أن يصطدم جون بتلك اللدغات المميتة من أحد ألخونة ليوشي بهِ عند بريمو بأنه لم يسلم المهمة المنوط بها في إتهام صريح بالسرقة , و ما كان بجون إلا أن يحاول أن يدافع عن نفسه عندما شعر بأنه قد يقتل رغم كل تلك العلاقة الكبيرة بينه و بين بريمو ,
أول ما يلفت نظرك في الفيلم هو التصوير المضطرب للفيلم فقد صورت المشاهد بهزة كاملة لجميع المشاهد في وضعية الشولدر بطريقة أشبه لتصوير السينما التسجيلية و برامج الواقع وكان من الواضح جداً أن وجهة نظر المصور
هي بلورة فكرة الإضطراب و الصراع الداخلي لحق الفرد في الوجود و صعوبة المعيشة بين المجرمين و حياة الليل السخية بتفاصيل القتل و الغدر , و إيصال وجهة نظر المخرج الأهم في الفيلم وهي معنى أن تكون رجلاً  فقد كانت تلك هي الرسالة الأهم للمخرج كيث ميللر كما صرح في أحد المؤتمرات الصحفية  

و لكن علينا أن نتوقف هنا قليلاً ,,
أشار مدير التصوير السينمائي سعيد الشيمي في كتابه الشهير إتجاهات الأبداع في الصورة السينمائية المصرية إلى الأتي :
’’ توجد مقولة حكيمة للمخرج كلود ليلوش الذي بدأ حياته مصوراً ثم أصبح من أشهر مخرجي السينما الفرنسية في أواخر الستينات ’’ أن المصور المعاصر في الفيلم هو مركز الدائرة تماما و من هنا نستشعر أهمية دور المصور ليس في مركز الدائرة و لكن في الدائرة ككل حين يصبح للصورة غرض و معنى ’’
وبذلك أستطاع الشيمي أن يحصر أهم نقاط مقاييس الأبداع لمدير التصوير الجيد في الأتي :
1- أن يكون له رؤية بصرية تشكيلية للسيناريو المكتوب مؤثرة في تحويله إلى مرحلة الصورة الدرامية و هي بلا شك تكونت عنده من أستيعاب ثقافات و فنون كثيرة محلية و عالمية .
2- العمل على توظيف حرفته و أستخدام أدواته ( السيني – فوتغرافية ) لخدمة رؤيته البصرية التشكيلية و التي يجب أن تتفق مع مفهوم المخرج و دراما الفيلم .
3 بصم الفيلم بالجو العام المرئي و الملائم للأحداث فهنا بصمة الصورة تحمل أهم دلالات النوعية الخاصة بالفيلم .
4- مدى نسبة الأبتكار و التجديد في أستخدام الشكل و الرؤية البصرية و تطويع أدواته و خاماته إلى الأرتقاء بالشكل و المضمون معاً لخدمة العمل الدرامي .
ومن هنا نصل للنتيجة الأهم إلا وهي هل تم خدمة الصورة بمنطقية نتيجة ذاك الأضطراب الداخلي أم هي كانت رؤية فردية للمخرج ؟
فعملية التلقي هنا مطاطة قليلاً و تختلف من شخص لأخر و من مدرسة سينمائية لأخرى و من ثقافة لأخرى ,
و لكن تبقى الثوابت التي لا تتغير ألا وهي محاولة السينمائيين بالسمو نحو الجديد دوماً  ويبقى الهاجس الأكبر هل سننجح هل نجحنا هل وضعنا أيدينا على الخطأ / الجرح / السر
فايف ستار كانت محاولة من سينمائي مستقل صنع فيلماً بتكلفة قليلة عكس ما هو متبع في الأفلام الأمريكية الغنية بالإنتاج الضخم ,  أن يلخص لنا حراك حياة اللصوص و القتلة في ذاكَ الليل المرعب التي قد تودي بحياة شخص خطأ وجد في مكان خطا و زمان خطأ ,
درجة النجاح لذاكَ الفيلم لن يعطيها ناقد أو سينمائي أكاديمي يصر دوماً أن يكون هناك مصدراً معلوما للحركة و الضوء ومنطقية الحدث , فالفيلم هنا يحتاج لناقد حسي و متلقي يعي كيف هو الشارع عندما يقبض بكفيه ليل الحالمين بالحرية و المعنى الخفي للرجولة !!
رنا هاشم




ليست هناك تعليقات: